" من زار الواحات البحرية ولم يزر متحف تراث الواحات للفنان محمود عيد فقد فاته الكثير." ... هكذا يقول كل من زار " متحف تراث الواحة " في الواحات البحرية . فمن هو محمود عيد ؟ وما الذي يحتويه هذا المتحف ؟!
على طريق الواحات البحرية، توقفت سيارة الدفع الرباعي التي حملتنا إلى مبنى مشيد فوق أحد الجبال يحمل لافتة معدنية أكلتها الشمس كُتب عليها : "متحف تراث الواحات " . متحف أقامه فنان مصري أصيل أخذ على عاتقه أن يحافظ على عادات وموروثات بلده ومسقط رأسه " الواحات البحرية " ؛ معتمداً فى معماره على نزعته الفنية الفطرية التي تميل إلى التأريخ بالرسم والنحت ؛ مستخدماً الخامات الطبيعية التي توفرها بيئته الصحراوية ؛ فصادق الصخور، وصاحب الأحجار، وجالس التراب الواحاتي، ليصنع منه تماثيل ولوحات وأقنعة لها ألوان وروح ورائحة الواحات . إنه فنان حمل بوعيه الأصيل أمانة التعبير عن ثقافته، بالشكل الفني الذي يتقنه، متحملًا مخاطر عدم التحقق وتعجب مجتمعه منه ومن أنشطته وإنتاجه الفني، بل أحيانًا سخريته، ومتحملًا أيضًا تكلفة مادية يرى الكثيرون أنها وُجِّهت هباء.
وهو بعد في مطلع العقد الثالث من العمر، حلم الفنان الشاب "محمود عيد" بإنشاء متحف يضم تراث الواحات . وعبر سنوات قضاها في العمل الجاد واضعًا هذا الحلم في الدرجة الأولى من قائمة اهتماماته وبجهوده الذاتية ؛ وبعد تعامل مضنِّ مع الروتين الحكومي تحول الحلم أخيراً إلى حقيقة . بدأ محمود عيد العمل بالمتحف عام 1995، واستمر 18 شهراً . وقد توسع المتحف من غرفة واحدة إلى 14 غرفة بعد أن لاقى رواجاً من السائحين. ولم يرحل الفنان " محمود عيد " عن عالمنا في عام 2015 ، عن عمر لم يتجاوز الخامسة والأربعين، إلا وقد وضع في المتحف حصيلة عمره من تماثيل، ولوحات، وجداريات ؛ و قد تحقق حلمه ؛ وترك لنا متحفه المميز كما أراده تمامًا بهجةً للناظرين وتراثًا فنيًا يتحدى النسيان
صورة لـــــــــــِ "محمود عيد" .. مُعلقة على جدران متحفه
اللافت للنظر ؛ ان محمود عيد اعتمد في إقامة متحفه على مجهوده الفردي ؛ دون مساندة تذكر من أجهزة الدولة المعنيّة بالتراث ؛ ذكر ابنه مصطفى الذي التقيته داخل المتحف ؛ أن والده أُرغم على بيع الكثير من إبداعاته الفنية للسائحين والزائرين حتى يستمر في إنشاء متحفه ؛ إلى أن انتهى من إنشائه وأصبح معلماً من معالم الواحات البحرية ومزار سياحي يحج إليه زوار الواحات البحرية من مختلف الجنسيات، وهو متحف جدير بالزيارة حقاً .
بالإضافة إلى تأسيس متحفه ؛ فقد أسس الفنان التشكيلي الراحل محمود عيد، مدرسته الفنية الخاصة، فهو فنان عَلَمَ نفسَه بنفسِه، لم يلتحق بأكاديمية فنية أو كلية أو معهد متخصص في دراسة الفنون، بل صنع مدرسته الخاصة وتعلم الفنون التشكيلية الشعبية المصرية عن طريق المحاولة والتجربة وإعادة إنتاج العمل الفني وتعديله . وقد تميز محمود عيد في مجال الفن التشكيلي وتعددت اعماله ما بين الحفر الغائر او البارز والنحت والرسم. استخدم خامات غريبة جدا عن المتداول، استخدم خامات من بيئته المحلية، حتى الألوان كان يصنعها من اكاسيد البيئة ويستخلصها من المكان بعيدا عن أي مواد بترولية ويستخدمها . صنع بنفسه أكاسيد ألوانه من الطبيعة المحيطة به. ومن الليف صنع الحبال التي شكلت أُطر لوحاته، واستخدم قحف النخل وهو الجزء الأعلى من جريد النخل في تشكيل وجه آدمي أو أي شكل ممكن يستخلصه. وكأن بيئة الواحات البحرية كانت صديقة وحبيبة لمحمود تبوح له بأسرارها وتفيض عليه بنفحاتها.
تطلق الدراسات الأكاديمية على الفنانين من هذه النوعية مصطلح الفنان الفطري والفنان التلقائي، ويجد البعض في هذه التسمية نوع من انواع التعالي وشكل من أشكال استبعاد الفنانين الشعبيين التشكيلين من فكرة التميز او التقييم بالجودة. مرحبا فالفطري او التلقائي خلق هكذا ويؤدي إنتاجه الفني دون قانون يحكم عمله، بينما الفنان التشكيلي الشعبي فنان نشأ تعليمه على التجربة وفنه قائم على استخلاص النتائج من التجربة، لصوت يحاول ويجرب ويصل إلى نتيجة معينة فيقوم بتثبيتها ويعتمدها ضمن أساليبه الفنية. ثم ينطلق إلى تجربة أخرى وهكذا.
الشكل الظاهري لمبنى المتحف بسيط لدرجة كبيرة ، لكن البساطة هنا لا تنفي الخصوصية والتميز ولا تتعارض مع الأناقة والحميمية . فهناك تقصُّد لبناء المتحف على طراز يعكس بساطة البيئة الصحراوية المتمثلة في طلاقة تشكيل المساحات ؛ و بساطة المعمار الطيني المُستوحى من الخامات الطبيعية التي توفرها الصحراء . جميع أجزاء المبنى لا توجد بها أى مادة صناعية ؛ الجدران مبنية من الطوب اللبن وقش الأرز وهي خامات من الطبيعة ؛ كذلك السلالم حجرية أو طينية مدعمة بالأخشاب. أما الأبواب فهي مصنوعة من جريد النخل و لها عتبات علوية مصنوعة من جذوع النخيل ؛ والتشكيلات التجميلية على الحدود العليا للمتحف وحواف السور مصنوعة من الطين والفخار ما يُكسب المتحف هيئة البيت الواحاتي القديم ؛ ويُدخل الزائر في أجواء عالم أسطوري .
جميع مكونات المتحف من عناصر البيئة الطبيعية لا توجد به أي مادة صناعية. إمكانات هائلة للخامات البيئية اكتشفها محمود عيد وعلى قدر من الارتجالية الواضحة إلا أن النتيجة النهائية أكثر من رائعة وتدل على أنه تعامل مع البناء كعمل تشكيلي .
أمام واجهة المتحف صنع محمود عيد منحوتات بالحجم الطبيعي على هيئة جمل يمثل سفينة الصحراء رمز اً للواحة الصحراوية
أثار إعجابي هذا المجسم الطيني بالحجم الطبيعي للجمل رمز الواحة وسفينة الصحراء
تبدأ الجولة داخل المتحف بالصعود على سلالم حجرية مدعومة بالأخشاب ؛ ثم الدخول عبر البوابة الرئيسة للمتحف
البوابة الرئيسة ؛ وهي عبارة عن باب كبير مصنوع كلياً من جريد وجذوع النخيل .
يتكون المتحف من ما لا يقل عن 15 غرفة ، تضم تراثا منحوتاً ومرسوماً ، لتاريخ 12 قرية تشكل الواحات البحرية . تستعرض كل غرفة مظهراً من مظاهر الحياة والفلكلور الشعبي في الواحات البحرية. كيف كانوا يأكلون و يشربون وكيف كانوا يتعالجون، ويعزفون الموسيقى ويتسامرون . الحوائط والأسقف مصنوعة من سعف النخيل والطين الطفلى ورمال الصحراء على طريقة بناء الأجداد. تتوزع المساحة الكلية للمبنى إلى مساحات بلا سقف وأخرى مسقوفة ؛ وهذا التوزيع ليس اعتباطياً ؛ فقد تم تصميمه على طراز بيوت الواحات القديمة ؛ بحيث يوفر السقف الاحتماء من شمس الصحراء المباشرة الحارقة ؛ وفي الوقت ذاته تسمح المساحات المكشوفة بممرات دائمة للهواء داخل البيت . وهكذا تلعب الأسقف والفتحات مع الهواء و الشمس لعبة أثيرة ؛ على مدار النهار ؛ تعمل على تلطيف الجو. ولم يكتف بشكل فني واحد، فقد تشعبت تجليات موهبته، فمارس فن التصوير والرسم، ومارس النحت الغائر والبارز، ومارس العمارة التقليدية فهو الذي بنى المتحف بيديه دون مساعدة من أحد .
الأسقف من سعف النخيل والطين الطفلي ورمال الصحراء
دارت عيناي التواقتان في جنبات وغرف المتحف ؛ مُسجلة باندهاش حرص الفنان العبقري " محمود عيد" على أن يُظهر لزائر الواحات البحرية خلال مائة عام، مختزلاً التفاصيل الكثيرة لتاريخ وديموغرافية الواحات في مساحة المتحف الصغيرة . وكلما تجولت في أرجاء المتحف عدت في الزمان وغصت في أسرار المكان وسط تكوينات رائعة، وأسلوب عرض متميز، رغم بساطته لا يخلو من ذكاء وحرفية، وتجليات موهبة عفوية قلّ أن تتكرر . عبر اللوحات والتماثيل والمجسمات والأواني والاكسسوارات البدوية و العديد من أدوات ومقتنيات أهالي الواحة ؛ سافرت بخيالي إلى حياة الناس في هذا المكان قبل مئة عام .
جدارية كبيرة لمجموعة من البيوت المتجاورة فى ارتفاعات مختلفة ؛ تمثل خلفية لمجموعة تماثيل لأهالي الواحات . يعكس المشهد الحارة في الواحات القديمة من الداخل والخارج .
استخدم النحات الفنان محمود عيد الفنون الشعبية والإبداعات التشكيلية البعيدة عن التنظير والتقنين المدرسي لتقديم تراث الواحات .
تفاصيل الحياة اليومية في الواحات تجدها في لوحات المتحف . تقريبا كافة أنواع ممارسات الحياة اليومية في الواحات .كل لوحة تصور جزء من الحياة اليومية في الواحات البحرية.
تميزت لوحات محمود عيد بالخطوط القوية واستخدام ألوانه بشكل حر مستفيدًا من مخزونه الثقافي التقليدي
أعمال تعبر عن الروح الصحراوية المصرية الصميمة بقيمها الجمالية وأبعادها الفلسفية التي يفهمها ويتذوقها الجميع
الرسوم الشعبية بخطوطها الطفولية المنطلقة مع بعض المبالغة تشكل تذوق فني ورؤية خاصة للجماليات.
استحضر محمود عيد الفولكلور المتأصل عبر مراحل متتالية من تاريخ الواحة مستلهماً إبداعاته وأساليبه الفنية من واقعها المعيش ومن تراكم التقاليد الفنية جيل بعد جيل. وبعد أن جالس كبار ومعمري الواحة، تصَوَّر ملامحهم وحفظها في ذاكرته الفوتوغرافية ؛ ثم قام بنحتها بدقة متناهية ؛ بحيث لا ينظر أحد من أهالي الواحة إلى تمثال صنعه أو لوحة رسمها الفنان محمود عيد إلا ورجح أن هذا تمثال عم فلان، وأن هذه صورة الخالة فلانة. كان يذهب إلى جبال الواحات ذات الألوان المتنوعة ؛ فيجلب قطعة من الحجر الرملي يقطعها بشكل معين، وفي المتحف الذي كان ورشة عمله ؛ يلتقط الشاكوش والمسمار ويبدأ بالدق على الحجر ؛ ثم بالمبرد يبدأ في صقل التمثال وتحديد التفاصيل . وجدتني أقف أمام تماثيل دقيقة وجذابة لعدد من الشخصيات الشهيرة بالواحة ؛ فهذا هو الحلاق "أحمد أبو قذافي" الذي توفى منذ سنوات عن عمر 105 أعوام، وكان يجيد الإنجليزية، حيث عمِل كحلاق في المعسكر الإنجليزي خلال الحرب العالمية الثانية. وكان صاحب "حلاقة إنجليزي" يُقبل عليها شباب الواحة ، جسده في تمثال وهو يحلق ويحصل على عيار من القمح أو الأرز مقابل عمله .
مجسم الحلاق "أحمد أبوقذافي"
وهذا هو محمد علي موسى جدّ الفنان محمود عيد الذي عمل كطبيب روماتيزم، وتفنن في المعالجة بالكي والحجامة، وكان يقوم بتسيخن المسمار على مخلفات المواشى ثم يكوى الألم. وأيضًا تمثال آخر وهو يمارس العلاج بالحجامة .
الجدّ محمد علي موسى وهو يقوم بتسخين المسمار على رواسب المواشي ثم يكوى الألم.
تمثال آخر للجدّ محمد عليّ موسى وهو يمارس العلاج بالحجامة
في غرفة أخرى نجد الحاجة عائشة (عيشه) وهي تعمل بغرفة الخبيز في الفرن الشمسي، ذلك الذى يختلف عن الفرن الشمسي بالصعيد. حيث تصنع أرغفة الخبز ( العيش ) أولاً ثم تضعه في الشمس ثم تدخله الفرن بعد أن يختمر.
الحاجة "عيشة" ترتدى الزى البدوي وهى تعمل بغرفة الخبز في الفرن الشمسي
لم ينس عيد أيضاً الست " عليه" ؛ ففي إحدى غرف المتحف ؛ يوجد تمثال للست " عليّه " وهي تقوم بعملية خض اللبن في قربة من جلد الماعز أو الخراف لاستخراج الجبن والسمن منه .
مجسم ربة المنزل الواحيّة وهي تطبخ وتخبز وكيف كانت تتعامل مع قربة الخض لتستخلص الزبد والسمن من اللبن.
مجسم لـــ العم " أحمد حمور" أغنى رجل بالواحة مُتكِئاً بنشوة وحبور على «المصطبة» أمام منزله
ثلاثة تماثيل لرجال من الواحات يرتدون الزي الشعبي و يجلسون على المصطبة في شوارع الواحة
يتضمن المتحف أيضا تجسيد لــ سهرة "حراسية" وهي عبارة عن جلسة سمر يجتمع فيها أصدقاء يجلسون خلال رحلة بالبرجول البدوي، ويعزفون على آلات موسيقية في الصحراء، وأهمها الناي البلدي والطبلة و آلات النفخ .
نجح الفنان محمود عيد في تجسيد تفاصيل الحياة الشعبية في الواحة ، وتركيز كل ملامح ثقافة مجتمعه، مختزنًا أشكال احتفالاتهم وتجمعات عملهم وسمرهم.
مجسم للفرقة الموسيقية تؤدي معزوفة بآلآت النفخ
أهالي الواحات في جلسة استراحة واستجمام
مجسم يجسد أهالي الواحات وهم يلعبون السيجا
بالإضافة للتماثيل واللوحات والأعمال التي تجسد حياة الواحة وشخصياتها ؛ يستطيع الزائر اكتشاف هوية الواحة والأدوات المنزلية اليومية التي استعملها أهالي الواحات ، من خلال استقراء مجسمات عديدة من الرمل والطين تجسد روح البيت الواحاتي وفنون الصحراء .
عرض الفنان محمود عيد تراث الواحة أيضاً ممثلاً في أوانٍ فخارية بعضها قديم لم يعد يُصنّع مثله وبعضها حديث لايزال يستخدم . أوان فخارية لم تكن في الواحات اي أوان معدنية، كانوا يصنعونها يدويا من الطين دون استخدام دولاب صناعة الفخار، وبعد الانتهاء من صنعها يتعمدون إلى صنفرة الأواني الفخارية بالزلط لتنعيم ملمسها الخارجي ثم يضعونها في الشمس
القٌلل والجِرار و عدد من الأواني الفخارية في متحف محمود عيد
مجسم الرحاية لطحن القمح واستخلاص الدقيق للخبر
لم يفت الفنان محمود عيد أن يجسيد البئر كأحد من مكونات البيت الواحاتي . فقد كان كل شخص بالواحة يمتلك بئراً فى منزله على عمق مختلف حسب منزلة. يستخرج منه الماء بواسطة إناء من الفخار "البوشة أو البقلى" ثم يضعه فى حوض لجمع الماء
البئر في البيت الواحاتي
بعد التمور؛ يأتي الزيتون في المرتبة الثانية ضمن قائمة أهم منتجات الواحة . لذا ؛ من الطبيعي أن نجد داخل المتحف مجسداً يمثل عصارة الزيتون التقليدية مع تمثال لرجل يقوم بتدويرها لاستخراج الزيت .
مجسم لــــــ عصارة الزيتون التي استخدمها أهل الواحات لعصر الزيتون واستخلاص الزيت منه
حرص محمود عيد على توثيق الكثير من تفاصيل حياة المرأة الواحية ؛ كيف كانت تخبز الخبز وتخض اللحليب ؛ وكيف كانت ملابسها و كيف كانت تتزين أيضا. يضم المتحف أيضاً غرفة تستعرض الملابس والجلباب الخاص بالمرأة الواحية، جلباب العروس الذي تستمر في تطريزه خمس شهور لترتديه يوم الزفاف. الحلي والإكسسوارات من الاساور والخلخال والاقراط والكرادين التي كانت المرأة البدوية تستعملها للزينة.
ألوان وأشكال مختلفة من الثياب والجلباب التقليدي الخاص بالمرأة الواحية
لوحة تستعرض أنواع الحُليّ البدوية التي كانت تستخدمها المرأة في الواحات البحرية . يظهر فيها : " القطرة" التي كن يضعنها في الأنف وهي من الذهب و ’’" الدملج" المصنوع من الفضة و " الحجل " الذي كن يضعنه في أرجلهن ويُصنع من الفضة أيضاً .
جلباب العروس الذي تستمر في تطريزه خمس شهور لترتدية يوم الزفاف.
ولم تغب ملامح الحاجة فاطمة جدة محمود عيد، كانت محفورة في تلافيف دماغه قبل أن يستحضرها وينحتها بمنتهى الدقة . لم ينس أيضاً "القطرة" وهي قطعة حُليّ هلالية الشكل كان نسوة الواحات يضعنها في الأنف ؛ وكانت تُصنع من الذهب الروماني او الفرعوني .
تمثال الجدة فاطمة بتجاعيد وجهها والقطرة المُعلقة بأنفها
الشكل الواحاتي في مدخل المتحف يمثل وجه الرجل الصحراوي المتأثر ببيئة الواحات عايش في الشمس وجهه مختلف عن رجل المدينة والحضر الساكن وسط البنايات في الظل مرحبا. تأثير الطبيعة عليه. والحياة بعيدا عن التلوث تمنحه الصحة ومعظم اهل الواحة من المعمرين 110 سنة.
في واجهة المتحف توجد منحوتة على شكل وجه واحاتي يرمز لمُعمرٍ طبعت شمس الصحراء القاسية بصمتها على بشرته المتجعدة
يختزن الفنان محمود عيد في جيناته حكايات وأساطير وفنون قديمة من عمر الصحراء؛ من وحي ذلك المخزون شكلت يداه وجوهاً من الصلصال. وجوهٌ تجسد معاناة صارخة وألماً إنسانياً وجودياً ؛ ووجوهٌ راضية لها ملامح طيبة قانعة وسعيدة بهبة الواحة وسط قسوة الصحارى . بعض هذه الوجوه لا ينتمي إلى الواحة . بعض الوجوه تشبه الأقنعة والملامح التي نراها في فنون الحضارات الإفريقية المندثرة!
ملامح وجوه وكأن محمود عيد يرسم اهله و ينحت ملامحهم
الفنان الشعبي اذن تعليمه مختلف عن الفنان الأكاديمي ؛ ولكن لا يسعنا ان نقول انه يبدع هكذا في فضاء من التلقائية او العشوائية.. هناك عملية تعليمية خضع لها فن الفنان التشكيلي الشعبي وهناك تجربة وتعلم وخبرات مكتسبة وتعلم من السابقين وهناك قواعد فنية جمالية يستخلصها من بيئة المجتمع ذاته عندما ينتج إنتاجه الفني وبوصفه ابن البيئة والمجتمع المنتمي له ؛ فهناك منظومة قيم جمالية تحكمه وتحدد خياراته.. ماذا يرسم ماذا ينحت وهكذا. ومحمود عيد نموذج شديد الوضوح لشرح هذه الفكرة ؛ فهو فنان شعبي تشكيلي مبدع ورائع استخدم خامات بيئته في صناعة مشروعه الفني . إنه فنان تماماً رغم أنف التصنيفات الأكاديمية ؛ وهو يمثل شريحة كبيره من الفنانين الشعبين الذين ؛ للأسف ؛ لا يلقون اهتماما لا بشخوصهم ولا بمنتجهم الفني .
ّ
قام بكتابة هذا المقال :