د / صهبــــــــاء بندق
كلنا يستطيع تمييز الظواهر الفيزيائية الكونية ، إذ من السهل فهم واستيعاب قوانينها ونظام تشغيلها . خذ قانون الديناميكا الحرارية ، أو قانون الجاذبية كمثال، لماذا سقطت تفاحةٌ نيوتن على الأرض؟ لماذا لم تصعد التفاحة إلى الأعلى بدلاً من الأسفل؟ لماذا سقطت على الأرض بشكلٍ عامودي ولم تسقط يميناً أو يساراً؟ لقد استنتج نيوتن أنّ هناك قوّةً أثرت على سقوط التفاحة على الأرض، ففكر بالأسباب حتّى عرف أنّ هناك قوّة جذبٍ للأرض تجذب الأجسام نحوها، وأنّ الأجسام التي تسقط تجذب نحو مركز الأرض وليس إلى مكانٍ آخر، واستنتج أنّ القوة التي جذبت التفاحة نحو الأرض ليست لها مسافة محددة. الأمر إذن لا يتعلق بأن تؤمن بوجود قانون الجاذبية ،أو لا تؤمن، قدر ما يتعلق بأنك تعرفه أو لا تعرفه..انت تعرف فقط أن قانون الجاذبية موجود ولا يتعلق الأمر بإيمانك بها ، ولكن بالمعرفة او الجهل بها . وكذلكك جميع قوانين الظواهر الفيزيائية ،جميعها ليس فقط موجودة ، بل مسلم بها لا يسعك إنكارها.
لكن هناك أيضا ظواهر باطنية غير فيزيائية ، تحكمها قوانين غير فيزيائية ونستطيع تمييزها أيضا. ولكن الأمر هنا يتعلق بدرجة إيمانك بوجودها ،ليس فقط بالمعرفة او الجهل بوجودها . وهاتان المجموعتان من القوانين (الكونية/ الظاهرية/ الفيزيائية ) . - تلك التي تحكم كلا من العالمين الخارجي والداخلي - تتوازيان.
من الخارج ، تدعم القوانين الكونية بقاء أجسادنا المادية على قيد الحياة ، على سبيل المثال، نظام التمثيل الضوئي في النباتات والعوالق داخل المحيطات، جميعها كائنات تنتج الأوكسجين الذي نحتاجه لكي نتنفس. ومن المهم والضروري أن نحترم القوانين التي تحكم هذا النظام لأن انتهاك هذه القوانين يهدد بقائنا، فعندما نلوث المحيطات أو ندمر الحياة النباتية على اليابسة ، نحن إذا ندمر النظام (الهيكل) الذي يدعم وجودنا الجسدي ويؤمن بقاءنا المادي وبالتالي نحن ندمر أنفسنا.
في الداخل ايضاً ، على مستوى الروح، هناك قوانين غير مادية تدعم بقاءنا العاطفي والنفسي أيضا، هناك ضوابط وقوانين أخرى تتحكم بنا عاطفيا وعقليا . إن المرادف الداخلي للأوكسجين، الذي نحتاجه للبقاء ظاهريا ، هو الحب. والعلاقات الإنسانية ، مثل النظام البيئي في الذي توفره الاشجار في الغابات والعوالق في المحيطات، موجودة للإنتاج الحب، وعندما نلوث علاقاتنا الانسانية بالماديات وبأفكار غير المُحبة، أو ندمرها أو نجهضها بسلوك غير محب، نحن إذا نهدد بقائنا العاطفي (النفسي).
القوانين الفيزيائية الكونية تصف فقط علاقة الأشياء ببعضها و كيف تحدث التفاعلات بينها ، وهذه القوانين تم وضعها واكتشافها بالفعل ، فهي لا تعتمد على إيماننا، وإيماننا بها يدل فقط على أننا نفهمها. وانتهاك هذه القوانين واختراقها لا يعبر عن افتقادنا للخير، ولكن عن افتقادنا للذكاء، فنحن نحترم قوانين الطبيعة لكي نحافظ على بقائنا.
أما عندما ننتهك القوانين التي تحكمنا داخلياً ، فهذا لا يدل على افتقادنا للذكاء، بل للخير . نحن نفقد خيريتنا عندما يتعطل نظام علاقاتنا الإنسانية ويتوقف عن إنتاج الحب . عندما لا يحب أحدنا الآخر، عندما تسود المادية وتتغلب الانا و يسود الغرور ،سيختنق الحب و سنموت كلنا، مهما بلغت قياسات ذكاءاتنا وفهمنا للقوانين الكونية والظواهر الفيزيائية ،فبنفس الحتمية التي يقتلنا بها غياب الأوكسجين سيقتلنا غياب الحب..!!