بعد المرور من البوابة الضيقة ؛ والصعود عبر ممرات ملتووية تُنعش ذاكرتك الكرتونية لتذكرك بسراديب سلاحف النينجا . ستمُر بمخازن المؤونة ومعصرة الزيت ؛ ثم بئر البلدة الواقع امام الجامع القديم ؛ كان هناك ستة آبار داخل القلعة. توقفت قليلاً لأُلقي نظرة إلى عمق البئر ؛ أدركت حينها كيف كان بوسع سكان القلعة الصبر على الحصار نحو ثلاثة شهور .حيث يسمح وجود آبار المياه الستة داخل القلعة بعدم الحاجة إلى الخروج.
مئذنة الجامع العتيق في قلعة شالي .. كالشمس قديمة وصبية !
خطوات قليلة من البئر باتجاه الجهة الشمالية من سور البلدة ؛ وتشخُص أمامك مئذنة الجامع العتيق ؛ تظهر أمامك فجأة كـــ قُمع عملاق من السُكر ! مئذنة مكعبة القاعدة تتصاعد تدريجياً على هيئة مربع و تضيق أضلاعه كلما ارتفعت لأعلى على طراز مآذن المساجد في المغرب والأندلس (طراز الصوامع). ترتفع المئذنة بمقدار عظيم رغم أنها مائلة قليلاً ؛ إلا أنها لم تزل ثابتة ومتينة للغاية على الرغم من ضعف المواد المصنوعة منها . هناك جامع اخر بناحية الاغورمى وله مئذنة من هذا النوع لاتزال قائمة ايضا بمنظرها المميز.
مئذنة عجوز من الملح والطين لكنها مازالت نابضة بالحياة تدعو المصلين للصلاة . لم تزل هيئتها مكتملة وتفاصيلها الدقيقة واضحة وتحتفظ ببريقها
يُقدّر عُمر هذا الجامع بنحو الف سنة ؛ فقد شُيّد عام 500 هجرية ؛ ولم يتبق غيره من آثار العهد الاسلامي القديم في سيوة ولا تزال تقام فيه الصلوات اليومية وصلاة الجُمعة كل أسبوع.يتباهى سكان سيوة – جميعهم مسلمون اليوم- بأن " الجامع العتيق " هو البناء الوحيد المكتمل الذي لا يزال قائماً داخل قلعة شالي التي تأثرت جميع بيوتها بسبب الأمطار والسيول .
يتكون " الجامع العتيق" من مساحة مستطيلة الشكل مُقسمة إلي ثلاث بلاطات موازية لجدار القبلة ؛ ومقسمة بواسطة ست دعامات ضخمة برميلية الشكل تحمل سقف المسجد المصنوع منبراطيم خشبية من جذوع النخيل تُغطي المسجد .يوجد بكل جدار نافذتان صغيرتان للإضاءة والتهوية، في جدار القبلة يوجد المنبر والمحراب . المنبر عبارة عن ثلاث درجات من الحجر الجيري، أما المحراب فعبارة عن منحنى نصف دائري بسيط خالٍ من الزخارف والكتابات.
والمسجد له بابان شرقي وغربي. أحدهما يطل على الجهة الغربية، والآخر على الجهة الشرقية حيث توجد مساحة من الخارج أُضيفت للمسجد ولها باب يفتح بجوار الباب الشرقي . على يمين هذه المساحة المضافة ؛ يوجد السلم الصاعد للمئذنة التي تقع بالزاوية الشمالية الشرقية للمسجد.
كان لوجود المسجد العتيق داخل " قلعة شالي" دوراً كبيراً في إضافة " قلعة شالي " إلى قائمة الآثار الإسلامية في مصر اعتباراً من عام 2008 م. . وهو معلم تاريخي إسلامي أثري كبير ولا شك ؛ ولكن المثقفين من أهالي سيوة يرون ان قلعة شالي بعمرها التاريخي ومعمارها المميز الذي يُعد مثالاً فريداً لهندسة العمارة الصحراوية ، تستحق ان تُدرج ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي باعتبارها تراث إنساني ومعماري عالمي وليس إسلامي فحسب . وكل يوم ؛ تتزايد المطالبات من داخل الواحة وخارجها بإخضاع " قلعة شالي" لمظلة منظمة الامم المتحدة للعلوم والثقافة ” اليونسكو “خاصةً وأنها خاوية منذ العام 1820م، وتفرد طرازها المعماري الصحراوي يجعلها جديرة بلفت انتباه اليونسكو لدراستها تمهيدًا لوضعها ضمن التراث الإنساني الواجب حفظه للأجيال القادمة.